كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم إذا كانت الكلمة هي الله والكلمة صارت جسدًا فهذا يعني صيرورة الله جسدا وهذا تغيير في الله والكتاب يعلمنا أن الله لا يتغير [ملاخي 3: 6].
ثم أن هذه العبارة تستلزم لوازم باطلة في حق الله سبحانه وتعالى لأنه إذا كانت الكلمة هي الله والكلمة صارت جسدًا كما هو ظاهر النص فهذا يعني أن كل ما وقع لهذا الجسد من قبل اليهود من ضرب وجلد هو واقع على الكلمة لأن الكلمة صارت جسدا، وهذا من أبطل الباطل في حق الله الكامل المنزه عن كل نقص.
ثالثًا: لا يوجد في الأناجيل الأربعة وما ألحقوه بها من رسائل دليل واحد على أن المسيح أشار إلى نفسه بأنه الكلمة.
رابعًا: بالرجوع إلى النص اليوناني سنجد أن كلمة الله الأولى الواردة في النص معرفة بأداة التعريف التي تعادل الألف واللام والثانية غير معرفه وهي «ثيؤس» باليوناني، وهنا المشكلة التي تحتم أن تكون الترجمة الحقيقية «وكانت الكلمة إله» وليس «وكان الكلمة الله» لأن كلمة «إله» في اصطلاح الكتاب المقدس- بشكل عام- لا تعني بالضرورة الله المعبود بحق، بل تأتي أحيانًا على معنى السيد والرئيس المطاع أو على معنى ملاك عظيم. وبعض الترجمات تقرر ذلك مثل ترجمة العالم الجديد التي تنص على:
.In the beginning was the Word، and the Word was with God، and the Word was divine «New World» Translation
وكذلك هذه الترجمة وتسمى العهد الجديد ترجمة أمريكية:
.In the beginning the Word existed. The Word was with God، and the Word was divine. The New Testament، An American Translation، Edgar Goodspeed and J. M. Powis Smith، The University of Chicago Press، p. 173
وفى قاموس الكتاب المقدس لجون ماكنزى طبعة كوليير صفحة 317:
Jn 1:1 should rigorously be translated 'the word was with the God [=the Father]، and the word was a divine being.' The Dictionary of the Bible by John McKenzie، Collier Books، p. 317
والخلاصة أن وضع الكلام يسمح بهذه المعاني وكلها تدل على مخلوق له خصائص إلهية ولكن ليس الإله الأعلى الذي يستحق العبادة.
والمهم الذي أيضًا نريد معرفته هو انه لدينا كلمتين مختلفتين في الاصل اليوناني قد ترجمتا بلفظة واحدة وهي الله في افتتاحية يوحنا.
وإليكم بعض الشواهد من الكتاب المقدس التي تؤكد أن كلمة «إله لا تعني بالضرورة الله المعبود بحق»:
(1) جاء في سفر الخروج من التوراة قول الله تعالى لموسى عليه السلام:
«قد جعلناك إلها لفرعون وأخاك هارون رسولك» [الخروج: 7/ 1].
(2) وفي المزمور الثاني والثمانين من سفر المزامير قول الله تعالى لداود عليه السلام:
«الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي..» إلى قوله: «أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون» [المزامير: 82/ 1، 6- 7].
وهذه بعض الأمثلة أيضًا للكلمة الغير معرفة «ثيؤس» اليونانية وهي تشير إلى أشياء أخرى:
(3) كورنثوس الثانية 4: 4
«الذين فيهم اله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله».
في هذا المثل نجد أن نفس اللفظة استعملت للدلالة على الشيطان.
(4) يوحنا 10: 34
«أجابهم يسوع أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت أنكم آلهة».
كلمة آلهة هنا هي أيضا ثيؤس اليونانية والمسيح قد يطلق على احد انه اله ولكن لن يطلق عليه انه الله أبدا...!!!!
(5) أعمال 10: 40
«قائلين لهرون اعمل لنا آلهة تتقدم أمامنا. لان هذا موسى الذي أخرجنا من ارض مصر لا نعلم ماذا أصابه».
نفس الكلمة هنا بمعنى آلهة.
(6) أعمال 10 43
«بل حملتم خيمة مولوك ونجم إلهكم رمفان التماثيل التي صنعتموها لتسجدوا لها. فأنقلكم إلى ما وراء بابل».
اله الوثنيون هنا هو أيضا «ثيؤس» نفس اللفظة.
(7) أعمال 14: 11
«فالجموع لما رأوا ما فعل بولس رفعوا صوتهم بلغة ليكأونية قائلين ان الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا».
حتى بولس هو أيضا حاصل على نفس اللفظة اليونانية؟؟
(8) أعمال 19: 26
«وانتم تنظرون وتسمعون انه ليس من افسس فقط بل من جميع اسيا تقريبا استمال وازاغ بولس هذا جمعا كثيرا قائلا إن التي تصنع بالأيادي ليست آلهة».
(9) كورونثوس 8: 5
«لأنه وان وجد ما يسمى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون».
وكل الأمثلة السابقة كانت الكلمة في الأصل ثيؤس.
وحيث يتفق مفسروا العهد القديم أن المقصود بالآلهة وببني العلي: الرؤساء والقضاة والملائكة الذين هم أعضاء البلاط الإلهي- إذا صح التعبير، وأن لقب آلهة وأبناء الله، لهم، ليس إلا لقبا تشريفيا لا أكثر، ولا يعني أبدا أنهم شركاء الله تعالى في ذاته ولاهوته، كيف ومن تعاليم التوراة الأساسية وحدانية الله تعالى!
بناء عليه، فعبارة «وإله هو الكلمة» معناها: وكائنٌ روحيٌّ عظيم بل رئيسٌ للكائنات وعظيمٌ مقرب من الله هو الكلمة.
هذا ومما يرجح هذه القراءة ويوجب المصير إلى هذا التفسير، هو أننا لو قلنا أن الكلمة هي الله لصار منطوق النص هو:
في البدء كان الله، وكان الله عند الله! وكان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله!!
ولاشك أن هذا المنطوق يجعل افتتاحية يوحنا نصًا مختل المبنى غير مستقيم المعنى، بل لا معنى له ولا يصح.
ومن البديهي أن الشيء لا يكون عند نفسه، فلا يصح أن نقول كان زيد عند زيد!!
أما على التفسير الذي ذكرناه، فإذا صار الإله المُنَكَّر بمعنى الكائن الروحي العظيم الذي هو غير الله، صح أن نعتبره كان عند الله.
خامسًا: ولكي نتأكد من صحة التفسير الذي ذكرناه لنسأل يوحنا عن ما هي العلاقة عنده بين المسيح عليه السلام والله سبحانه من خلال ما سطره في إنجيله:
يوحنا [13: 16]: «الحق الحق اقول لكم انه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله».
الكاتب هنا واضح جدا، الله أعظم من من يرسله أو الراسل أعظم من المرسل، فإذا كان الرسول ليس بأعظم من مرسله كما يقول المسيح، وان هناك فرق بين الراسل والمرسل، فلنثبت من كلام يوحنا أن الابن قد وقع عليه الإرسال وانه مرسل من الله:
قال يوحنا في رسالته الأولى: «إن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به» [4: 9].
ويقول أيضًا: «لان الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله. لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح» [يوحنا 3: 34].
ويقول: «الآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي» [يوحنا 5: 37].
وهل من يريد أن يقنعنا أن المسيح والله واحد يكتب مثل هذا؟؟
يوحنا [14: 28] «سمعتم أني قلت لكم أنا اذهب ثم آتي إليكم.لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلى الآب.لان أبي أعظم مني».
هل يستطيع أي شخص أن يذهب إلى نفسه وتكون نفسه أعظم منه لاحظ نحن ننقل كلام يوحنا!
يوحنا [17: 1] «تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال أيها الآب قد أتت الساعة.مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا».
وهذه معناها على مذهبهم انه يخاطب نفسه قائلا مجدت نفسي حتى امجد نفسي!!!!
يوحنا [17: 24]: «أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم».
هل الله أحب نفسه قبل خلق العالم وأعطى نفسه مجدا.
والخلاصة هنا أن هذا العدد في بداية انجيل يوحنا لا ينسجم حتى مع بقية إنجيل يوحنا نفسه.
سادسًا: هل كلمة «ثيؤس» اليونانية تعني الله ثلاثي الأقانيم أم أقنوم الآب فقط؟ بمعنى آخر إذا قلت: «أن الكلمة كان الله» هل يعني هذا أن الله هنا هو الآب أم هم الله ذو الثلاثة أقانيم؟؟
وهذا مقال آخر يفند الاستدلال بهذه العبارة:
في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله. وكان الكلمة الله.
لقد وردت هذا الكلمات في بداية الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا لذلك استدل المسيحيون بها على أن المسيح ليس مخلوقًا دون الآب، لكنه مساو له في الجوهر، والآب معناها الله.
ويرد على هذا الاستدلال بالآتي:
أولًا: علينا أن نلاحظ _ أولًا وقبل كل شيء _ أن هذه الكلمات الواردة في أول إنجيل يوحنا هي ليست من كلمات «المسيح» وإنما كلمات «يوحنا» فالمسيح لم يقل مثل هذه الكلمات بتاتًا وبالدراسة المتسعة والإطلاع سنجد أنها كلمات لشخص يهودي اسمه «فيلون السكندري» «20 ق. م _ 40 م» عاش في العصر الهلنستى بالإسكندرية، وهو فيلسوف ومفكر كان متأثرًا بالفلسفة اليونانية، فقد كان يعتبر أن العقل أو اللوجوس هو الذي صدر عنه وجود كل المخلوقات. وكان يكني هذا «اللوجوس» بقوله: «الكلمة» ومن المعروف أن يوحنا كتب إنجيله بعد وفاة «فيلون» واستعار منه «مصطلح الكلمة».
ومع هذا نقول للنصارى الذين يستدلون بهذه الفقرة على لاهوت المسيح:
ما هي الكلمة اليونانية التي تقابل لفظ الجلالة «الله» المعبود بحق؟
والجواب هو:
أن الكلمة اليونانية التي تعني «الله» وهو المعبود بحق هي: هوثيوس Hotheos وعندما يكون الإله غير جدير بالعبادة، فإن اليونان كانوا يستخدمون لفظة أخرى هي: تونثيوس Tontheos وعندما ترجمت عبارة يوحنا «وكان الكلمة الله» من اليونانية القديمة إلي الإنجليزية، قام مترجمو الإنجيل باستخدام الحرف الكبير عند ترجمتهم عبارة «وكان الكلمة الله».